ولامستْ يدُ الخلاص زِنادَ الواجب
بقلم: الدكتور قحطان الخفاجي
طالعتنا شبكات التواصل الإجتماعي منذ أيام، بنبأٍ عن المجلس الوطني للمعارضة العراقية، وهو يَعقدُ مؤتمره الرابع، وناقش فيه وضع العراق وما ينبغي لخلاص بلدنا مما يعاني من حالاتِ تدهور على الصُعدِ كافة.
لم أتابع الخبر لمجرد كوني عراقي فحسب، ولا لكوني متابع سياسي ومحلل إستراتيجي يتوجب عليه متابعة الأحداث المتغيرات. ولا حتى كون المجلس هو واحد من صروح الوطنية التي رفضتْ الغزو الانكلوصهيوني وتصدتْ له مع جهات وطنية أخرى، فقاوموا الإحتلال مقاومة ميدانية لن ينساها الغزاة وأذنابهم. وكانوا مع غيرهم من الوطنيين، (رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً).
ولم أتابع خبر مؤتمر المجلس الوطني للمعارضة العراقية لذاته رغم دلالاته الوطنية وغاياته، التي تشاطرهم بها جماعات وطنية أخرى، ورغم ما تمخض عنه من مخرجاتٍ تستحق الثناء، بدءاً بشعارهِ الذي كان “معاً لتحرير العراق”. مروراً بانتظام عراقيين فيه، بوطنيةٍ تسابق خطاهم، مبتعدين عن أي مسمياتٍ ضيقة.
ولم أتابع المؤتمر لتأييده الصريح والصادق لثورة تشرين وأبطالها، ومساندة غاياتها الوطنية وتطوير آلياتها، إذ كان بعض التشرينيين حاضرين. ولا للرؤيةِ الواقعيةِ الدقيقةِ الشاملةِ للوضعِ بالعراق والمنطقة، ومآلاتها، التي تضمنها ببيانه الختامي، والذي تبنى قرارات مهمة، كتشكيلِ لجان متخصصة في الميادين المختلفة، سياسية وأخرى إقتصادية وعلمية وقانونية وإعلاميه وغيرها.
لم توقفني كل هذه الدلالات الإيجابية للمؤتمر وماتمخض عنه، والتي تماثل توصيات دعتْ إليها جماعاتٌ وطنيةٌ أخرى، بشكل أو بآخر. ولكن إستوقفتني جنبة هي غاية بالأهمية وردت بالفقرة الثانية من البيانِ الختامي. وشدتني إليها بقوةٍ، واستبشرتُ بها خيراً، وهذه الجنبه -صراحةً – لم تكن حاضرة في مؤتمرات الجماعات الوطنبة والمعارضة العراقية، خصوصاً بعد الإنسحاب الشكلي للقوات المسلحة الأمريكية عام ٢٠١١.
وتدعوا هذه الجنبة لتشكيل جيشاً عراقياً وطنياً مهنياً، للقيام بما ينبغي لخلاص العراق، وهذه الجنبة ضرورة قصوى، لم تفرضها تجارب الشعوب الحرة فحسب، بل فرضتها حقائق مؤلمة شهدها العراق منذ ٢٠٠٣، فالاحتلال كان بالقوة العسكرية، وفرض هيمنة المحتل كان بحل الجيش الوطني العراقي، ذراع العراق القوى. وفرض أذناب إلاحتلال سطوتهم، كان بالقوة. وتدخل القوة الخارجية كانت السبب الأساس لتمادي إيران واذنابها في الشؤون العراقية، سيما القتل – بدمٍ بارد – لكلِ وطني معارض للعملية الطائفية ورموزها الفاسدة، وتشريعاتها الهجينة، وآلياتها العقيمة.
هذه الجنبةُ المهمةُ هي التي جعلتني وغيري، نتابع النبأ باهتمامٍ عالٍ، لأنها تدل على إدراك عميق وتدبر بعيد الأفق، لما ينغي في المرحلة القادمة من نضالِ شعبنا لإنجاز التغيير الناجع، إذ بهذه الجنبة المهمة تتكامل أدوات التغيير.
فالحراك الشعبي والمواقف الوطنية الثورية، سبتعززا بقوةٍ وطنيةٍ مضافةٍ وفعالةٍ، تردع فصائل منفلته تعتدي على الوطنيين، أو أي قوة لاتحمي الشعب، ولا تردع هذه الفصائل المنفلته والموالية لطرفٍ يضمر الحقد والكره لقيم السماء وضوابط الإنسانية .
لذلك كله، وبعد ما تابعنا مؤتمر المجلس الوطني للمعارضة العراقية، نقول، والثقة تحدوا بنا : ولامستْ يدُ الخلاص زِنادَ الواجب.
إني أقول ما تلمسته من المؤتمر الرابع للمجلس الوطني للمعارضة العراقية، بشكلٍ واضحٍ وعلني، كما قلت مراراً ما ينبغي قوله مع كلٍ جهدٍ وطني مماثل يصب لصالح خلاص العراق. فلابد من النصح لجميع القوى الوطنية، سواء المجلس الوطني، أو غيره من مسميات وطنية أخرى هي محل تقدير الوطنيين العراقيين، وتقدير كل شعب حر . نعم أقدم النصح، فالدين نصيحة، والوطن يحتاج الجميع، وعليه أنصح بما يلي :-
١- أن العمل الجمعي لذاته، وأن قل فعله، لهو الخطوة الأقرب لخلاص وطننا، وهو أكثر وقعاً على إنوف أعداء وطننا واذنابهم، من الفعل المنفرد وإن عَظُم .
عليه لابد من وحدةِ صف المعارضة العراقية تحت سقف الوطن وبِدالّةِ الانتماء له. سيما والجميع يؤمن أن الوطن هو القائد والكل جنوده.
٢- لابد من تكامل الجهد الوطني في الداخل والخارج، ولابد من التحرك بالداخل والخارج، لكن لتحرك الخارج شروط، أهمها مصلحة العراق، مع نسبة معقولة من التكامل المصلحي.
٣- نحن نعيش للأسف الشديد في عالم الإعلام المنفلت، وحالات التسقيط المجاني والمغرض، عليه فلندع الريب جانباً، ولنعتمد الحقائق. والعودة لجادة الصواب في نصرة الوطن وخدمته، تبقى مفتوحة بالشروط الوطنية المنطقية، ومن دون تعجيز، إلا عن الذين طبلوا للغزو وهللوا وجاءوا خلف دبابات المحتل. والذين عملوا ذيولاً لإيران وأي طامع إقليمي أو دولي، وعن من عمل بالعملية السياسية العوجاء الطائفية الفاشله التي وضعها المحتل، وخان العراق، أو أفسد فيها أو قتل أو سرق.
٤ – الجهد الدولي – بغض النظر عن تفاوت الآراء حوله – هو حالة مفروضة على الوضع( العراقي)، لاسباب عدة، ولعل الجهد الدولي هو من أحدث عراق مابعد الإحتلال ، هو أحد متغيرات ماحصل فيه وأولها. كما أن التدخل الدولي المتعدد بعد ذلك توسعت دلالاته، فكان واحد من أسباب وجود الجماعات الإرهابية العابرة للحدود، وكان هو أيضاً واحد من الجهات المتصدية له. فأزدات موجبات الجهد الدولة في العراق وضروراته. عليه لايمكن تجاوز الجهد الدولي، ولكن بشروط وأن كان واقع التوازن بيننا وبين الأطراف الدولية الفعالة مختلاً. وعليه من أجل الاستفادة من الجهد الدولي ” دول أو منظمات”، أو حتى تحجيم دورها أو تقنيه ، فلابد حساب التالي :-
أ : أن يتلمس المجتمع الدولي دور القوى الوطنية في الشأن العراقي بشكلً واضح، فيدرك دورها كما ينبغي، ولا يؤم هذا الإدراك، إلا إذا أمنتْ القوى الوطنية حالةً من التكامل بينها، معززة بفعلٍ ميداني واضح.
ب : عدم الاستسلام لحالةِ اللاتوازن بين القوى الوطنية وأي من أطراف المجتمع الدولي، فأكبر الأطراف الدولية، لايمكنها تحقيق ماتريد في بلدٍ ما دون دور مفروض لاطرافٍ بداخله.
وإذا أعتمد إلاحتلال على دعمٍ أطراف الخيانة، فإن إخراج المحتل كان على يد أبطال المقاومة العراقية، وكلاهما من داخل العراق، مع الفارق بينهما. واليوم الحاجة أكبر لفعلٍ شعبي عراقي وطني.
وإذا مازجنا بين الانطلاقة الناصحة مع النصائح، يكون النصر أقرب مما نتصور… لأنه، لامستْ يدُ الخلاصٍ زِنادَ الواجب .
عاش العراق.. والله أكبر.