إيران بعد الضربة الأمريكية: تداعيات داخلية وإقليمية ودولية
الباحث في الشأن الايراني
د. راهب صالح
مقدمة
في 22 يونيو 2025 نفذت الولايات المتحدة ضربة جوية مركزة على مواقع نووية إيرانية حساسة، وُصفت بأنها الأشد منذ توقيع الاتفاق النووي عام 2015. هذا التطور غير المسبوق أدخل إيران في أزمة داخلية حادة وأعاد تشكيل المعادلات الإقليمية والدولية في المنطقة. يعرض هذا التقرير التحليلي أبرز التداعيات التي خلفتها الضربة، على المستويات السياسية والأمنية والاجتماعية داخل إيران، وانعكاساتها على الجوار والمجتمع الدولي.
أولًا: اضطرابات الداخل الإيراني
انقسام النظام
ظهرت ملامح انقسام حاد داخل هيكل السلطة الإيرانية. المرشد الأعلى فعّل المادة 110 من الدستور، مما منحه سلطات استثنائية عبر “هيئة الأزمة الدائمة”. في المقابل أبدت الحكومة الرسمية ارتباكًا ملحوظًا أمام تسارع الأحداث بينما سارع البرلمان إلى إقرار إغلاق مفاعل نطنز ومصنع هرمز كخطوة تراجعية أمام الضغوط الدولية.
احتجاجات شعبية متصاعدة
شهدت عدة مدن إيرانية مظاهرات أبرزها في طهران، مشهد، تبريز والأهواز. طالب المحتجون بتغيير النظام وتجميد المشروع النووي كما علت أصوات تطالب بفصل الدين عن الدولة والمساواة في الحقوق بين الرجال والنساء.
دور المعارضة
في الخارج طالبت السيده مريم رجوي الرئيس المنتخب زعيمة المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية بتشكيل هيئة انتقالية لإدارة البلاد. كما أبدت بعض التيارات الإصلاحية الداخلية استعدادًا للحوار المشروط مع الغرب مقابل وقف التصعيد العسكري وتخفيف العقوبات.
ثانيًا: التفاعل الإقليمي والدولي
الولايات المتحدة
صرّحت واشنطن بأن الضربة استهدفت البنية النووية الإيرانية فقط، بهدف منع إيران من حيازة سلاح نووي. أكدت الإدارة الأمريكية أن العملية لا تهدف إلى تغيير النظام وإنما فرض تراجع استراتيجي في سلوكه النووي.
روسيا والصين
أدانت موسكو وبكين الهجوم واعتبرتاه خرقًا للقانون الدولي. في الوقت نفسه عبّرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن قلقها لفقدان الاتصال مع بعض المواقع النووية التي تعرضت للقصف.
إسرائيل
رحبت إسرائيل بالضربة وأكدت استعدادها الكامل لأي مواجهة ملوحة بإمكانية تنفيذ عمليات إضافية إذا استمرت إيران في تطوير برنامجها النووي. وقد صرح وزير الدفاع الإسرائيلي أن طهران تمتلك صواريخ قادرة على الوصول لأراضيهم ما يبرر التحرك العسكري.
مواقف الخليج العربي
شهدت مواقف متباينة في الخليج. السعودية والإمارات أعربتا عن تفهمهما للعملية، في حين دعت قطر وسلطنة عمان إلى التهدئة والعودة إلى المفاوضات.
ثالثًا: مستقبل المشروع النووي الإيراني
أثارت الضربة الأمريكية جدلًا واسعًا داخل إيران بشأن المشروع النووي. هل يمثل هذا المشروع ركيزة استراتيجية أم عبئًا على الاقتصاد والسياسة الداخلية؟
إغلاق منشآت رئيسية مثل نطنز وهرمز يشير إلى تراجع تكتيكي محتمل. ومع ذلك تؤكد مصادر في الحرس الثوري أن المشروع لن يُلغى، بل قد يستمر بأساليب جديدة وبمساعدة حلفاء آخرين، ما يعزز احتمالات تدويل الملف النووي بشكل أوسع.
رابعًا: سيناريوهات محتملة
1. التراجع والدخول في مفاوضات
قد تتجه إيران إلى القبول بجولة جديدة من المفاوضات مقابل تخفيف العقوبات خاصة في ظل الضغوط الشعبية والانقسام الداخلي.
2. التصعيد والمواجهة
في حال استمرار التحدي الإيراني قد تنفذ إسرائيل ضربة ثانية أو يتكرر التدخل الأمريكي العسكري بشكل أوسع.
3. الانهيار الداخلي
مع ازدياد الانقسام بين التيارات الحاكمة وخروج الوضع الأمني عن السيطرة يظل احتمال الانهيار السياسي أو حدوث انقلاب ناعم قائمًا.
خاتمة
إيران تقف أمام منعطف تاريخي حاسم. ما بين توازن الردع العسكري والانقسام الداخلي المتسارع والتحديات الاقتصادية والاجتماعية المتراكمة يبدو أن مستقبل البلاد بات أكثر غموضًا. وفي ظل التطورات المتسارعة تبقى كل الخيارات مفتوحة من التهدئة إلى الانفجار الشامل.