مستشار روسي كبير يكشف ما يجري في الخفاء ويتم التخطيط له لسوريا
مستشار روسي كبير يكشف ما يجري في الخفاء ويتم التخطيط له لسوريا
الكاتب والمحلل السياسي/ رامي الشاعر
تجري الآن في كواليس اللجنة الدستورية المزمع انعقادها في جنيف قبل نهاية العام الجاري محاولات ومداولات حول منهجية العمل في الجولة السادسة لمفاوضات اللجنة.
يأتي ذلك عقب فشل الجولات السابقة في التوصل لاتفاق على المبادئ الدستورية الأساسية التي يمكن أن تصبح قاعدة صلبة لدولة سورية جديدة تضم كل السوريين على ترابها، وتتمتع بالسيادة ووحدة الأراضي، دون تهميش أو إقصاء لأي من أطياف الشعب السوري.
وكانت اللجنة الدستورية قد تأسست بدعم من هيئة الأمم المتحدة، كأحد الآليات الأساسية لتنفيذ القرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن، وتهدف إلى “إعداد وصياغة إصلاح دستوري يطرح للموافقة الشعبية”.
إلا أن خمس جولات من المفاوضات بين أعضاء الهيئة المصغرة للجنة، من وفد الحكومة والمعارضة والمجتمع المدني (45 عضواً) لم تسفر عن التوصل حتى إلى “فهم مشترك بين أعضاء اللجنة حول كيفية المضي قدماً في هذه المحادثات” على حد تعبير المبعوث الخاص للأمم المتحدة لسوريا، غير بيدرسون.
وكان مبعوث الرئيس الروسي إلى روسيا، ألكسندر لافرنتييف، قد دعا المبعوث الخاص للأمم المتحدة لسوريا، غير بيدرسون، خلال الاجتماع الدولي بشأن الأزمة السورية
المنعقد في عاصمة كازاخستان نور سلطان، في السابع والثامن من شهر يوليو الماضي، للعمل على عقد الاجتماع الدوري المقبل للجنة الدستورية السورية في صيف 2021!
وبالفعل زار بيدرسون دمشق 11 سبتمبر الجاري، ليعرض على القيادة في دمشق مقترحاته بشأن منهجية عمل الجولة السادسة للجنة الدستورية، وهي المقترحات التي وافقت عليها المعارضة
وتتضمن اجتماع رئيسيّ اللجنة من جانب الحكومة والمعارضة في جنيف في اليوم السابق لانعقاد الاجتماع الأول للجولة السادسة، بتيسير من المبعوث الخاص، على أن يقوم كل من الأطراف الثلاثة (الحكومة، المعارضة، المجتمع المدني) بتقديم “مضامين وصياغات لمبادئ دستورية” يرون تضمينها في مشروع الدستور.
من جانبها لم توافق الحكومة على تلك النقطة، مقابل طرحها لمقترح تقديم “عناوين مقترحة لمبادئ دستورية أساسية” لتضمينها في مشروع الدستور، يتم الاتفاق عليها في اليوم السابق لبدء الدورة، وتقسيمها على كل يوم من أيام الدورة.
اتفق الجانبان على ألا يحول عدم الاتفاق المؤقت حول مبدأ دون الانتقال إلى طرح ومناقشة مبدأ آخر، إلا أن صياغة المقترحات بين الحكومة والمعارضة، ركّزت على تعبير “مضمون وصياغة” في مقترحات المعارضة، و”مبدأ دستوري” في مقترحات الحكومة.
بمعنى أن المعارضة تشترط لدخولها قاعة اجتماعات الجولة السادسة لاجتماع الهيئة المصغرة للجنة الدستورية السورية أن تسفر هذه الجولة عن نصوص محددة وواضحة، وهو ما يضع إطاراً زمنياً لعمل اللجنة، ويلزم الوفود الأخرى بدرجة كبيرة من الالتزام، وكذلك الضغط من عدة جوانب. خاصة إذا ما نظرنا إلى كم التدخلات والضغوط الأجنبية الخارجية على الأزمة السورية.
من ناحية أخرى، ترى الحكومة أن الاتفاق على أرضية، أو بمعنى آخر على أبجدية ولغة للتوافق على “مفاهيم” الدولة والسيادة هي الأساس الصلب الذي يجب أن تركن إليه الدولة الوطنية الراسخة، وهو ما يسعون لتنفيذه، بصرف النظر عن السياق الزمني، ذلك أن المبادئ والمفاهيم لا يجب أن ترتبط بالزمن.
عملياً، يبدو الأمر وكأنه تنسيق بين الحكومة والمعارضة لـ “عرقلة” جهود هيئة الأمم المتحدة والمجتمع الدولي لحل الأزمة السورية. يحاول كلا الطرفين، قدر استطاعته وإمكانياته، أن يسحب الطرف الآخر لمعركته السياسية الخاسرة، وأقول الخاسرة لأن الخاسر واقعياً هو الشعب السوري، والشعب السوري وحده، فهو وحده من يتجرع مرارة هذه الخسارة، ووحده من يدفع فواتير تأخر بدء العملية السياسية في سوريا
ووحده الذي يواصل الصمود من أجل هذا الطرف أو ذاك، طمعاً في تنفيذ أجندته السياسية الضيقة. وذلك لا يشمل القيادة في دمشق وحدها أو المعارضة وحدها، وإنما يشمل الجميع، بما في ذلك أصحاب النزعات الانفصالية، وأوهام الدعم الخارجي.
إن الشعب السوري يقف اليوم أمام مفترق طرق، بينما لا يجد من يدافع بحق عن مصالحه العليا، حيث تنشغل القيادة في دمشق بالحفاظ على السلطة والنظام القائم بشكله الحالي، الذي يعود هيكله لعقود مضت، ظناً منها أنه السبيل الوحيد لـ “الحفاظ على الدولة السورية”، بينما تسعى المعارضة لتغيير “شامل” يطيح بـ “النظام”
لكنه في الوقت نفسه يمكن أن يطيح بالدولة السورية، ويعبث بسيادتها ووحدة أراضيها. والحقيقة على الأرض أن أحداً من الطرفين لا يمكن أن ينجح دون الآخر، وتلك مأساة الشعب السوري، الذي يقف بين مطرقة دمشق، وسندان المعارضة، بين مطرقة الحكومة الشرعية، وسندان العقوبات الدولية المفروضة على تلك الحكومة.
أقول إن الحكومة والمعارضة يجب أن تنسقا فيما بينهما لا لـ “عرقلة” جهود الأمم المتحدة، وإنما لعمل كل ما بوسعهما للمضي قدماً في صياغة الدستور الجديد، الذي يستوعب كل أطياف المجتمع السوري، دون ضغائن وأحقاد
بعد أن أريقت دماء مئات الآلاف من الضحايا، وأصبح واضحاً للجميع أن الحرب ليست ولن تكون الوسيلة، وأن الكراهية والقمع والعنف والسيطرة الأمنية لن تكفي أبداً لتأسيس الدولة السورية الجديدة أو الحفاظ عليها، ولا مخرج للأزمة السورية سوى من خلال التنفيذ السريع والعاجل لقرار مجلس الأمن رقم 2254.
إن الزمن يمضي في اتجاه واحد فقط، ولن يعود أبداً إلى الوراء. تلك قواعد الفيزياء، وطبائع الأشياء. ولا يحاول إيقاف الزمن، ناهيك عن إرجاعه للوراء إلا أحمق أو معتوه أو مجنون. ولا أرى في النخب السورية الحالية على طرفي الأزمة أي من هؤلاء.
بل أرى بالفعل سعياً حثيثاً نحو المضي قدماً، ربما تعيقه بعض التدخلات الأجنبية، أو بعض الأجنحة المنتفعة بالوضع الراهن. لكن الوقت يمر، ومع كل يوم بلا انفراج للأزمة، تعاني المزيد من العائلات والأفراد من انقطاع الكهرباء والماء وغياب الخدمات الأساسية، بينما تزيد غربة اللاجئين، والمهجرين من أراضيهم، وتتعمق الأزمة أكثر فأكثر.
أتمنى أن تعقد الجولة السادسة من اجتماعات الهيئة المصغرة للجنة الدستورية في جنيف في أجواء جادة ومسؤولة، لتسفر عن فهم أعمق للحالة السورية ومأساة الشعب السوري الصامد، وتشهد موائمات لا تنازلات، وخروج نصوص دستورية تجسّد المصالح العليا لهذا الشعب.