مسلسل الأغتيالات الإسرائيلي من غزة ولبنان الى صنعاء مروراً بطهران “
الفريق الركن صباح نور العجيلي
المدخل :
منذ انطلاق حرب غزة 2023، تبنى الجيش الاسرائيلي استراتيجية فاعلة للأغتيالات وتصفية القيادات السياسية والعسكرية العاملة والمؤثرة والتي يشكل فقدانها خسارة ويتسبب احداث خلل في منظومة القيادة والسيطرة للخصوم والتاثير على المعنويات في وقت تشهد فيه المنطقة أصعب المواقف والأزمات. واعتبرت قيادة الاحتلال مسلسل الاغتيالات من أهم واخطر المهام في هذه المرحلة وباسبقيات عالية واهتمام كبير.
لقد نجحت القوات وألاجهزة الاسرائيلية في تحقيق خروقات أمنية كبيرة للقيادات والمقرات و تمكنت بوقت لاحق من تصفية قيادات مهمة من الخط الاول والثاني على الساحة الفلسطينية واللبنانية والايرانية واليمنية وحققت مكاسب معنوية مما ينعكس سلباً على هيكل القيادة والمعنويات في ظل التفوق التقني والمادي والمدعوم من مخابرات واجهزة دول أجنبية بمقدمتها الولايات المتحدة .
لجهاز الموساد والجيش الاسرائيلي سجل حافل وخبرة في أغتيال وتصفية القيادات الفلسطينية والشخصيات العلمية و الاكاديمية العربية من العاملين في مجال الطاقة النووية والبحث العلمي.
جاء تنفيذ مسلسل الاغتيالات الاخيرة نتيجة تعاون وثيق بين الاجهزة الأمنية التي وفرت المعلومات الدقيقة عن الهدف المراد تصفيته وبين سلاح الطيران الاسرائيلي الذي ينفذ الاغتيال بواسطة الطائرات المقاتلة أو الطيران المسّير .
استراتيجية الاغتيالات الاسرائيلية خطرة ومستمرة وتشكل احد التهديدات الجدية للقيادات السياسية والعسكرية والعلمية لذلك ينبغي تحليل مسلسل الاغتيالات الاسرائيلي و الوقوف عند جوانب الضعف والثغرات التي يستثمرها هذا الكيان .
تعريف الاغتيالات :
سياسة الاغتيال هي مصطلح يستخدم لوصف عملية قتل منظمة ومتعمدة تستهدف شخصية هامة ذات تأثير فكري أو سياسي أو عسكري أو قيادي ويكون سبب عملية إما لأسباب عقائدية أو سياسية أو اقتصادية أو انتقامية.
وأما عن سياسة الاغتيال الإسرائيلية؛ عملت إسرائيل على وضع مبررات وحجج للإرتكان لهذه السياسة الغير أخلاقية بوضعها في إطار الدفاع عن النفس ومحاربة الإرهاب الذي تمثله هذه الشخصيات ضدها.
فعرفت إسرائيل كلمة اغتيال بأنها عملية التصفية الجسدية التي تقوم بها أجهزتها الأمنية ضد قادة ومقاتلين فلسطينيين وعرب تتهمهم بالتورط في نشاط أو عمليات ضدها، وقد بقي هذا الاسم متداولاً حتى عام 2000. ولمزيد من إضفاء المشروعية على هذه السياسة وللابتعاد عن لفظ الاغتيال المُجرم وفقاً للقانون الدولي وللتهرب من أي مسؤوليات قانونية؛ عملت إسرائيل بداية من عام 2000 على استخدام صيغ “ملطفة” للتعبير عن عمليات الاغتيال مثل مصطلح “الإحباط الموضعي” ، “القتل المستهدف” أو ” التحييد ” الذي قدمه القاضي في المحكمة العليا “إلياكيم روبنشتاين للتعبير عن عمليات الاغتيال التي أصبحت عقيدة وتكتيك رئيسي للعقيدة الأمنية الإسرائيلية.
ابرز الشخصيات المستهدفة :
سوف نتطرق الى اهم الشخصيات القيادية التي أستهدفها الاحتلال منذ حرب غزة في السابع من اكتوبر / تشرين الاول عام 2023:
🔲 اسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الاسلامية حماس الذي اغتيل في طهران عند حضوره مراسيم تنصيب الرئيس الايراني الجديد مسعود بزشيكيان في الاول من اب / اوغسطس
2024
🔲 حسن نصر الله الامين العام لحزب الله اللبناني ، اغتيل بقصف جوي عنيف طال مقر للحزب تحت الارض في الضاحية الجنوبية في 29 ايلول 2024 .
🔲 يحيى السنوار : رئيس حركة المقاومة الاسلامية حماس الذي قتل بأشتباك مع قوات العدو في رفح – غزة يوم 17 تشرين الاول الحالي .
🔲 محمد الضيف : القائد العسكري لكتائب القسام ، اغتيل بغارة جوية اسرائيلية على غزة في الاول من أب 2024 .
🔲 صالح العاروري: نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس أغتيل بصاروخ طائرة اسرائيلية استهدف مكتب حماس في الضاحية الجنوبية لبيروت في 2 كانون الثاني 2024.
🔲 هاشم صفي الدين خليفة حسن نصر الله ورئيس المكتب التنفيذي للحزب ، أغتيل في مقر للحزب تحت الارض في الضاحية الجنوبية ومعه قيادات من الحزب بضربة جوية استخدمت 73 طن من القنابل .
🔲 حادث تفجير 3000 جهاز استدعاء (بيجرز) واجهزة اتصالات (هوكي توكي) في 17 و18 ايلول 2024 على عناصر من حزب الله في لبنان والذي تسبب بمقتل 37 واصابة اكثر من 3000 اغلبهم من قيادات الخط الاول والثاني للحزب وأصابة السفير الايراني في لبنان بالحادث، وهذا الحادث يستهدف أغتيال وقتل وإعاقة جماعية.
🔲 مقتل 20 من قيادات ايرانية من الخط الاول في حرب ال 12 يوم بضمنهم رئيس هيئة الاركان محمد باقري وقائد الحرس الثوري الايراني حسين سلامي وامير حاجي زاده قائد القوة الجو فضائية للحرس الثوري الايراني وقيادات في العمليات والحرس.
🔲 اغتيال رئيس وزراء الحوثيين واحد نوابه ومجموعة من الوزراء واصابة اخرون على اثر غارات جوية استهدفت اجتماع حكومي في صنعاء يوم الخميس 28 اب / اوغسطس 2025 .
اهداف مسلسل الاغتيالات الاسرائيلية :
تبنى كيان الاحتلال منذ اكتوبر 2023 سياسة الاغتيالات وفق نظرية ( ضرب الرأس يشل الجسد) لتحقيق عدة أهداف تختلف بتنوع الشخصيات المستهدفة، ومن أبرزها:
▪️ حرمان الخصوم من الشخصيات القيادية المؤثرة التي تمتلك القدرات والخبرات والتجارب والعلاقات .
▪️ الانتقام وتعزيز الردع عبر إيصال رسالة أن الكيان يمتلك اليد الطولى التي يمكن أن تصل اي شخص معادي يقاوم مشروعها .
▪️ رفع الروح المعنوية للمجتمع الاسرائيلي بعدما اهتزت المعنويات على أثر حرب غزة ، وتعميق الشعور بأن حكومتهم تدفع عنهم التهديدات، وتنتقم من المقاومين.
▪️ إضعاف فاعلية قوات ووحدات عبر وضع القيادات والكوادر الفاعلة تحت ضغط الاستهداف في أي وقت، وهو ما ينعكس على تشديد إجراءاتهم الأمنية مما يقلل عادة من مساحة تنقلاتهم وتحركاتهم واتصالاتهم، ويحد من فعاليتهم.
▪️ المراهنة على إضعاف الجماعات التي تعرض قادتها للتصفية، عبر إيجاد فجوة قد تقود لخلافات داخلية وانقسامات بعد غياب القائد المؤثر .
▪️ رفع كلفة الاشتراك في مقاومة الاحتلال بهدف ترهيب الشعوب والامة ودفعها للابتعاد عما يجلب ردود فعل إسرائيلية انتقامية.
نجاح حملة الاغتيالات :
في ضوء المعطيات نستطيع القول ان استراتيجية الاغتيالات قد حققت الى حد كبير أهدافها في تصفية قيادات وشخصيات مهمة في ظرف دقيق للغاية ، وبتصورنا ان ذلك يعود الى :
▪️التنسيق بين استخبارات الجيش الاسرائيلي واجهزة الموساد والشاباك وتبادل المعلومات الفورية عن القيادات المطلوبة وتحركاتهم.
▪️التفوق التقني لقوات واجهزة الاحتلال التي تستطيع الرصد والمتابعة للاشخاص المطلوبين من خلال الهواتف والاجهزة الالكترونية وبصمات الصوت.
▪️وجود الجواسيس والمتعاونين على الارض والذين ينقلون المعلومات الدقيقة عن اماكن الهدف وتحركاتهم.
▪️وجود ثغرات بالامن الوقائي للمقرات والمكاتب والامن الشخصي للقادة مما سهل عملية الاختراق الامني التي حققتها قوات الاحتلال.
▪️نجاح الطائرات المسّيرة الاسرائيلية في تنفيذ ادوار مهمة بالاستطلاع والرصد والمتابعة والحرب الالكترونية ومهاجمة الاهداف وأغتيال وقتل القيادات.
▪️نجاح سلاح الجو الاسرائيلي الذي هاجمت طائراته المتطورة المقرات والمكاتب في اعماق الارض لتصفية القيادات وكذلك قتل ضباط الحرس الايراني وفيلق القدس في سوريا.
▪️المساعدة المخابراتية الأجنبية وبخاصة الامريكية التي تزود الاحتلال بالمعلومات الدقيقة عن القيادات وهناك فرقة عمليات خاصة امريكية تعمل في غزة بحجة انها تبحث عن الرهائن الامريكيين.
اغتيال القيادات الايرانية :
في ظل الازمة النووية بين الولايات المتحدة وايران ووصول المحادثات الى طريق شبه مسدود ، وجهت القوة الجوية الاسرائيلية ضربة جوية مباغتة للبرنامج النووي الايراني وبذات الوقت استهدفت قيادات الخط الاول في الجيش والحرس وقتلت اكثر من 20 من كبار القادة بما فيهم قائد الحرس الايراني حسين سلامي ورئيس اركان الجيش محمد الباقري وقائد القوات الجيوفضائية امين حاجي زاده.
واستهدفت الضربة أغتيال مجموعة من العلماء العاملين على البرنامج النووي الايراني بالتزامن مع تدمير المنشئات والموافع النووية .
تسببت عملية اغتيال القادة بحالة من الصدمة وعدم التوازن والارباك في المنظومة العسكرية بحيث تأخر الرد على الضربة حوالي 18 ساعة.
الاستخبارات الدقيقة وتتبع حركة ونشاط مواقع القيادات والعلماء وعاداتهم اليومية ومناطق سكناهم ومنذ فترة طويلة وقبل بداية العمليات ، وفي هذا الشأن يلعب الجواسيس المحليين بالتبليغ عن مواقع القيادات وتحركاتهم هذا فضلا عن الاستمكان عبر الاجهزة الالكترونية (الانترنت واجهزة الهواتف الخلوية.
ووجه عضو مجلس النواب الايراني اصابع الاتهام الى اسرائيل بمقتل رئيس الجمهورية الايرانية ابراهيم رئيسي
الخلاصة :
تمثل القيادات العليا حلقة رأسية مسؤولة عن منظومات القيادة وقيادة الرجال في أصعب المواقف والأزمات، وعندما تستهدف القيادات فان الغاية الرئيسة للعدو هي كسر إرادة الرجال والشعب واحداث خلل في القيادة والسيطرة.
استراتيجية الاغتيالات من اهم الاستراتيجيات التى تتبعها حكومة نتنياهو المتطرفة والتي تتوخى الخصوم من القيادات والكفاءات التي لاغنى عنها في اوقات الحروب والازمات . لذلك ينبغي معالجة جوانب الخلل والضعف ومنع اسرائيل من استثمار مسلسل الاغتيالات لصالحه لاسيما وان الصراع بلغ مداه وأشده في هذا الظرف الدقيق.
الأمن الشخصي للقيادات وأمن المقرات والمكاتب وانتخاب البديلين والردفاء وتهيئة المقرات البديلة والاجراءات الالكترونية المضادة والوقائية ، تعد من الامور الجوهرية التي ينبغي مراعاتها عند الحروب في ظل التفوق التقني الاسرائيلي.