الفيدرالية في العراق: حاجة مبرّرة سوزان سمير

الفيدرالية في العراق: حاجة مبرّرة

سوزان سمير

0909

الدولة الفيدرالية والدولة المعاصرة

الفدرالية التي تؤمن حقوق جميع مكوناتها عبر توزيع السلطات بين تلك المكونات باعتماد نظام دستوري ثنائي ، أحدهما ينظم الحياة العامة وفي جميع المجالات على مستوى الولايات والأقاليم والمقاطعات والآخر يضمن حسن سير الأول في الحكومة الاتحادية (المركزية).

هنا يجب التركيز على وضع الدساتير المحلية أولاً ، والانتقال بعد ذلك إلى إعداد دستورٍ مركزي معتمد على الدساتير المحلية ، بما في ذلك من ضمانةٍ لتوزيع السلطات عبر الجغرافيا المكونة للدولة بالشكل الذي يحمي الجميع.

إن أهم العناصر التي تدعو الى تأسيس الفيدرالية القائمة على التفكك هي محاولة حماية وحدة أراضي البلاد وشعبه، وذلك من خلال تحقيق عدالة توزيع السلطة بين مختلف مكونات البلد. إذا كانت هناك وجهات نظر معاكسة تم إيرادها عن مبررات تأسيس الفيدرالية الإنفكاكية. فإنها لا تتجاوز كونها وجهات نظر تقتصر على مستندات شمولية لبعض المكونات التي تسعى إلى الاستئثار بكل إيرادات الدولة ومنظومتها السلطوية على حساب الآخرين

تتعدد الأسباب التي تدفع الدول إلى تكوين نظم فيدرالية فيما بينها، ولعل أهمها: الرغبة في العيش المشترك نتيجة وجود عوامل ارتباط بينها، مثل عامل الدين، والعادات واللغة، وكذلك وجود مصالح اقتصادية مشتركة، أو العمل على إيجاد عوامل القوة أمام التهديدات الخارجية التي قد تواجهها تلك الدول بجميع الأحوال. أياً كانت الدوافع التي تدعو الدول إلى بناء نموذج فيدرالي، فإنه يمكن الاجماع بأن تلك الدوافع بمجملها تصب في خانة تقوية المواقف السياسية والاقتصادية والاجتماعية للدول التي قررت العيش المشترك وفق النموذج الفيدرالي، مما يعني أنها وإن تنازلت عن بعض من سيادتها لصالح المنظومة الجديدة، فإنها ستكون أكثر قوةً وتعبيراً عن حقيقتها نتيجة تراكم عوامل القوة فيما بينها. وهذا النظام ينجح بشكل كبير في العراق

لقد انتشرت النظم الفيدرالية على مستوى المعمورة لتحقيق المزيد من التحول الديمقراطي، وبالتالي تحقيق الترابط بين المكونات المختلفة. وجدير بالذكر أنه ليس بالضرورة استخدام كلمة (الفيدرالية) لتحديد النظم الفيدرالية، بل يمكن التعبير عن المستوى الفيدرالي بالحكومة الوطنية أو الحكومة المركزية أو الحكومة الاتحادية، أما الحكومات المحلية، فيمكن إطلاق مجموعة من الأسماء بخصوصها، مثل: ولايات (الولايات المتحدة الأمريكية، استراليا، ماليزيا)، أو أقاليم (بلجيكا، إيطاليا، و العراق بمحافظاته التسعة عشر )، أو كانتونات الاتحاد الفدرالي  (سويسرا) أو أراض النمسا

نظام الحكم في العراق جمهوري اتحادي فيدرالي ديمقراطي تعددي ويجري تقاسم السلطة فيه بين الحكومة الاتحادية والحكومات الإقليمية والمحافظات والبلديات والإدارات المحلية ويقوم النظام الاتحادي على أساس الحقائق الجغرافي والتاريخية والفصل بين السلطات وليس على أساس الأصل أو العرق أو الاثنية أو القومية أو المذهب) وبعد صدور الدستور العرقي الدائم لسنة 2005 كان النظام الفيدرالي أحد المرتكزات الأساسية التي بني عليها الدستور وقد نصت المادة الأولى منه على ما يأتي (جمهورية العراق دولة اتحادية واحدة مستقلة ذات سيادة كاملة نظام الحكم فيها جمهوري نيابي “برلماني” ديمقراطي وهذا الدستور ضامن لوحدة العراق)، كما خصص الباب الثالث من الدستور لبيان تشكيل السلطات الاتحادية وصلاحياتها، كما إن الدستور قد اقر تشكيل “إقليم كردستان” الذي كان تشكل فعلياً قبل إقرار الدستور وفي زمن النظام السابق وذلك بموجب نص المادة (117)التي تضمنت ما يأتي: (أولا: يعتبر هذا الدستور عند نفاذة إقليم كردستان وسلطاته القائمة إقليما اتحادياً، ثانياً: تعتبر هذا الدستور الأقاليم الجديدة التي تؤسس وفقاً لأحكامه)، وهذا يعني إن الدستور لا يقصر الفيدرالية على إقليم كردستان فقط بل إن الدستور أجاز تشكيل أقاليم جديدة في العراق في المستقبل حيث فتح الحق لكل محافظة أوأكثر تكوين إقليم وذلك حسب نص المادة (119) التي تضمنت ما يأتي (يحق لكل محافظة أوأكثر تكوين إقليم بناءً على طلب بالاستفتاء عليه يقدم بأحد طريقتين: أولا: طلب من ثلث الأعضاء في كل مجلس من مجالس المحافظات التي تروم تكوين الإقليم. ثانياً: طلب من عشر الناخبين في كل محافظة من المحافظات التي تروم تكوين الإقليم. أما المادة (118) من الدستور فقد نصت على ضرورة تشريع قانون بين الإجراءات التنفيذية لتكوين الأقاليم حيث نصت على ما يأتي (يسن مجلس النواب في مدة لا تتجاوز ستة أشهر من تاريخ أول جلسة له قانوناً يحدد الإجراءات التنفيذية الخاصة بتكوين الأقاليم بالأغلبية البسيطة للأعضاء الحاضرين .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *